عمر بن الخطاب: حزم عمر
صفحة 1 من اصل 1
عمر بن الخطاب: حزم عمر
عمر بن الخطاب: حزم عمر د. راغب السرجانى
مقدمة
نشأ عمر في كنف والده وورث عنه طباعه الصارمة، التي لا تعرف الوهن، والحزم الذي لا يدانيه التردد، والتصميم الذي لا يقبل أنصاف الحلول.وكان رضي الله عنه من أشراف قريش وأعيانها، وإليه كانت السفارة في الجاهلية، فكانت قريش إذا وقعت الحرب بينهم، أو بينهم وبين غيرهم بعثوه سفيرًا ـ أي رسولًا ـ وإذا نافرهم منافر، وفاخرهم أحد رضوا به، وبعثوه.ونال السفارة؛ لأنه رجل قوي البنيان، مجدول اللحم، رابط الجأش، ثابت الجنان، صارم حازم، لا يعرف التردد والأَرْجحة، ينأى عن الذبذبة والمراوغة، لا تتناوبه الأهواء المتنازعة، ولا الآراء المشتتة، بل نفسه كُلٌّ واحد، إذا تحرك تحركت كل قدراته، واحتشدت في شخصية واحدة متكاملة متسقة، فحيثما وجد عمر رضي الله عنه وجدت شخصية وإدارة ومنهج، في دقة واتساق، كأنه جيش يتحرك بخطى قوية إلى اتجاه واحد محدد، بشخصية فذة ليس لذرة في كيانه عن إرادته شذوذ، أو عن وجهته مهرب.كان عمر رضي الله عنه صافي النفس صفاء سماء مكة، واضح السريرة من غير تعرج، ولا انحناءات وضوح الصحراء التي ترعرع فيها، راسخ العزيمة رسوخ الجبال الرواسي، التي رعى الأغنام بين جنباتها، متلالئ الصفات كالكوكب الدريّ في كبد السماء.فكان من كل ذلك هذا الرجل الشامخ العملاق، الصارم الحازم، الصلب الصلد، الواضح وضوح الشمس، الذي إن رأيته قرأت دخيلة نفسه، وقد ارتسمت على ملامح وجهه، لا مخبوء فيها ولا مستور.ولقد أصابت قريش في اختيارها، وما اختارته إلا عن ابتلاء منها واختبار، ليكون لها سفيرًا ومنافرًا ومفاخرًا ومكاثرًا.هذا العنفوان العارم، والبأس الشديد، قد جنده عمر في محاداة دعوة الحق سبحانه وتعالى، عندما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس على بصيرة للتوحيد، ونبذ الأصنام.كان عمر رضي الله عنه قبل إسلامه في الصف المعادي للإسلام، وقد أفرغ كل قوته في بحر الشرك المتلاطم حول الدعوة الجديدة، وكان متشبثًا بموقفه لدرجة تعصف بأي أمل في إسلامه وأن يكون يومًا مع الركب المؤمن، ولقد كان أذاه للمسلمين يبلغ أذى قريش مجتمعة، ولم يسلم منه حتى أخته وصهره سعيد بن زيد.ومع كل هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطمع في إسلامه، لما يعلمه فيه من القوة التي اتسمت بالوضوح والتفوق الباهر، الذي جند في غير طريق الحق.لقد كان طغيان الوثنية وعرامة الشرك، والتمسك بما آل عليه الآباء من عقائد وموقف كبراء قريش وزعمائها وعدائهم للدعوة، كل ذلك لم يكن ليترك عمر يسلم بيسر وسهولة بل لا بد للقلب الشديد، والقوة الهادرة من صوت مجلجل، ومنطق قاهر باهر، يقرع سمع عمر وفؤاده ليفتحه فتحًا قويًا.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى